فارس الحباشنة
"محمد" شاب ثلاثيني يعمل بمطعم في شارع المدينة المنورة . ينتهي داومه يوميا في الساعة العاشرة ليلا ، موعد بدء الحظر الليلي ، و بعد ان يغادر اخر زبون في المطعم يبدأون بالتنظيف والتعزيل ، و اغلاق النوافذ و اطفاء الكونديشن ، وتسليم الفواتير ، وهذا يحتاج باقل تقدير زمني لنصف ساعة و احيانا أكثر ، وهي من مستلزمات الروتين اليومي لاستمرار ماكينة وعجلة العمل .
محمد" سكان الزرقاء " ، ويعيل اسرة من 5 افراد ، يغادر المطعم تقريبا حوالي العاشرة و النصف ، و ينتظر لحوالي ربع ساعة زملاء اخرين زرقاوية يعلمون في مطاعم اخرى ، ليترافقوا مع بعضهم البعض ، و يستلقوا سيارة لايصالهم الى الزرقاء ، ولو انه استقل سيارة لوحده فان اجرته اليومية ستذهب بدل نقل لا اكثر و لا اقل .
"محمد " الحمد لله ، من بعد تمديد ساعات الحظر الليلي ، و تقليصها للعاشرة اتخالف 3مرات خلال اسبوعين ، وكل مخالفة قيمتها 110 دينارا . و استدان من صاحب العمل واصدقاء ليسد قيمة المخالفة ، والا انه سبيقى موقوفا لدى المركز الامني .
يكابد محمد ، ويصحى من مشقة النهار مع اولى صيحات الديك ، و يركب 3 وسائل مواصلات ليصل المعطم الذي يعمل به في شارع المدينة ، و يذهب عرقه و اجره و رزق عائلته و اخوانه في المدارس و امه وابوه العاطلين عن العمل لغرامات و مخالفات اوامر الدفاع .
شريحة من شباب طيبين ومكابدين يسعون من أجل زرقهم ورزق عوائلهم . يعملون بالحلال ، و لا يمدون ايديهم لاحد طلبا لعون ومساعدة و اغاثة . في حظر كورونا الطويل ذاقوا مرارة العيش وقسوته ، وعانوا اشد معاناة في تصريف امور عيشهم اليومي ، وتوفير ابسط مستلزمات العيش اليومي ، قوت العائلة و باكيت دخان "بيع في الحظر الاول ب5 دنانير" ، و شحن كرت الموبايل .
طبقة منكوبة من كورونا وغيرها . طبقة" قوت يومي " من لا يخرج الى العمل يموت من الجوع .فما بالكم أن خرج الى العمل و جمع مئتي دينار ليدفعهن فواتير كهرباء و ماء و انترنت ، تأتي على حين غلفة مأسي الاقدار ليدفعهن بدل مخالفة ، و التهمة عدم الالتزام باوامر الدفاع .
هو محمد لولا الفاقة والحاجة و الضرورة لا يخرج من المنزل ، يبقى مرتمي تحت الكونيدشين ، ويدخن ارجيلة . لم يسأل أحد عن هذه الطبقة والشريحة الاجتماعية و العمالية المظلومة و المقهورة و المنسية و المحروقة حقوقها .
من الضروري طرق هذا الموضوع . الشعور الوطني يبدأ من هنا ، وليس اغاني وتصفيق ، وكلام في الهواء . الاف من شباب يعلمون في عمان ويسكنون في الزرقاء و الرصيفة ومناطق اخرى ضرورة العمل وبعد السكن تتوجب ان يتاخروا بالوصول الى منازلهم ، وان يخالفوا أمر الدفاع و توقيت الحظر ، فكيف يمكن ان يصل الى منزله بصاروخ ومكوك فضاء أم على براق ؟
العدل يا اخوان .. ولو ان صانع القرار يتروا قليلا ، وينظر قبل اصدار اي قرار من كل وزايا : الممكن و المستحيل و المعيقات ، و التفكير في اجراءات بديلة ، هكذا في كل دول العالم يجري التخطيط للتعامل مع اي ازمة طارئة و مستحدثة . فهولاء ما ذنبهم يدفعون كل اسبوع مخالفة و اثنتين ، فهل لأنهم سكان هوامش منسية ؟
تقليص ساعات الحظر الليلي و حظر الجمعة لم يعد سرا بان خبراء و ساسة ينظرون الى هذين القرارين المزعجان لمسامع الاردنيين بعين الريبة و القلق و الغموض الذي يكتنف اصرار وزير الصحة سعد جابر "وزير الاختصاص " غير المبرر علميا وموضوعاتيا و طبيا ووبائيا على المضي بتطبيقهما . اختبارات الحظر الشامل و الجزئي الطويل دول كثيرة استبعدتها ، واستبدالتها في سياسة التعايش مع كورونا "مناعة القطيع " .
مهما بغلت من البراعة في ابتداع الصيغ المخففة من فرادة تعامل الاردن الرسمي مع كورونا ، وجمعت بين المتناقضات الاقتصادية والاجتماعية و المعيشية و الامنية و السياسية ، و سيظل الاردن مستعصيا على التوصيف بالمعنى المجازي و الواقعي ، و حتى التجربة و الخبرة الاردنية في ادارة ازمة كورونا ، لا اعرف كيف تصدر و تسوق للعالم ، تحت أي عنوان ، لنقول مثلا أن محمد عامل من جماعة "قوت يومي " تخالف 3 مرات في اسبوعين ، وانه استدان قيمة المخالفات ؟
ولنقول صراحة بعيدا عن عداد اصابة كورونا اليومي ، فلو أن الحكومة تسمع الى مظلمة محمد ! و الخوف كما يبدو ليس من كورونا ، ولكن من ادارة كورونا صدقوني هذه الحقيقة . واعرف ان هناك اذان لا يعجبها هذا الكلام ، ولا تحب أن تصغي الى الناصحين ،وهولاء يهون عليهم محمد وغير محمد ، ويهون عليهم الشعب الاردني كله .